الوزيرة .... لم تكذب ... لكنها لم تقل الحقيقة ...

جمعة, 22/02/2019 - 08:13

ماذا تستفيد فقيرة الهند من استئجار رحمها ...

كان ذلك سنة 1995 عندما لاحظ -  المزارع الشاب سيدى عبد الله ولد برو( يبلغ آنذاك  25 سنة ) ابان زيارته لداكار بغية جلب بذور الخضروات -  ان بعض المزارعينالسنغاليين الكبار يستلمون من عند اللبناني -  تاجر البذور -  كميات معتبرة من بذور الفاصوليا الخضراء (Haricot vert ) وهو الذى خبر هذه المادة فى مطاعم الغرب ايام الشتاء القارس  , تساءل فى قرارةنفسه : لماذا هذا التهافت على بذور نبتة محصولها لا يتواجد على قائمة موائد الافارقة .

وبحسه التجارى انتبه اللبنانى الى  شرود  زبونه واخبره ان هؤلاء المزارعين متخصصون فى تصدير الخضروات و الفواكه الى اوربا وبان اهم صنف زراعى يمكن للأفارقة المنافسة فى تصديره هو الفاصوليا الخضراء لأنها تعتمد اساسا على اليد العاملة , خاصة ايام الحصا د .

اشترى سيدى البذور التى جاء من اجلها وزاد باقتنائه بذور الفاصوليا الخضراء وكذلك المعرفة الضرورية لإدارة المحصول (la conduite culturale ( ابتداء من البذر وحتى الجني اضافة الى تقنيات الفرز و التعليب و الشحن الى السوق الاوربية خاصة سوق رينجيسRungisفى باريس والتى هي من اهم  مراكز توزيع وإعادة شحن الفواكه و الخضروات  الى باقى الاسواق الاوربية .

تم زرع هكتار واحد من الفاصوليا الخضراء , وفى منتصف العملية جلب صديقه  المزارع المهندس مولاي ولد مولاي عمر (يشغلمنصب مستشار وزيرالتنمية الريفية المكلف بخلية التخطيطانذاك)  الى المزرعة ليريه ما تم انجازه وليتدارس معه الطرق الفنية الضرورية لإرسال شحنة تجريبية الى سوق رينجيسإلا انهما توصلا الى طريق مسدود لان غزو السوق الاوربية يتطلب الامتثال لمجموعة من المعايير الفية لهذه السوق من ضمنها ميثاق المتعلق بالصحة النباتية ( la charte phyto) و حصول الدولة الموريتانية على علامات تجارية خاصة بها تمكن مزارعيها من الولوج الى السوق الاوربية عن طريقها .... هذا اضافة الى ضبط تقنيات جني المحصول وفرزه  و تعليبه وهذه العملية الاخيرة تتطلب اقتناء علب خاصة  تحمل ماركة  وعنوان المنتج واسم الدولة المنشأ .

رجع مولاي الى وزارته وهنا اخبر ممثل البعثة الاوربية بوزارة التنمية الريفية ومستشار الوزيرابول جينييسPaul Ginies بهذه التجربة الجامحة الطموحة و الغير مسبوقة  فتحمس للسفر الى روصو بغية المشاهدة عن قرب , وبعد ايام وصلوا المزرعة وراعهم ما شاهدوا ...المنتوج تم اعطاؤه للأبقار بدل ارساله على الاقل الى الاسواق المحلية . تواعد الجميع فى مبانى وزارة التنمية الريفية لتقييم ما تم التوصل اليه و السعى الى تذليل العقبات مستقبلا .

و بعد المداولات و من اجل ادخال عملية انتاج الخضروات والفواكه - الموجهة الى السوق الاوروبية  - فى الدورة الزراعية المحلية , تم الاتفاق على ما يلى :

  1. ابتعاث بعض المزارعين الى السنغال لاكتساب المعرفة (acquisition du savoir-faire)فى مجال انتاج وفرز وشحن منتجات كل الاصناف القابلة للاستزراع فى منطقة النهر والصالح منتوجها للتصدير الى السوق الاوربية .
  2. مطالبة السلطات العمومية بضرورة السعي لدعم انتاج الخضار والفاكهة الموجهة للتصدير فى اطار دعمها للتنويع الزراعى .
  3. المطالبة بإصدارتشريعات فى هذا المجال و موائمتها (harmonisation) مع متطلبات التشريع الاوربى المرتبطة بالنفاذ الى اسواقه .
  4. التعهد من طرف ممثلي الاتحاد الاوروبى بتمهيد كل الاجراءات المرتبطة بتمويل عملية انتاج الخضار والفاكهة الموجهة الى السوق الاوربية فى حالة نجحت العملية التجربة (opération test)المزمع اجراؤها فى العام 1996 والتى سيتم اضافة الى تصديرها للمنتوج  توزيع  الباقى على السوق المحلى خاصة البقالات الكبرى والسفارات والبعثات الاجنبية .
  5. انشاء اطار تنظيمى جمعوى , تعاونية او تجمع ذو نفع اقتصادى من طرف المزارعين الراغبين فى الاشتراك فى عملية انتاج و تصدير الخضار والفاكهة الى السوق الاوربية .
  6. و من اجل ابداء حسن النية , دفع الاتحاد الاوربى بمنحة (000 200 1 اوقية قديمة ) كتشجيع لسيدى عبد الله على مبادرته الفردية و الشجاعة .

وفى هذا الاطار تم انشاء تعاونية المنتجين الزراعيين فى اترارزة الشرقية COPATE من طرف سيدى عبد الله ولد برو و مولاي ولد ودادى رحمه الله  وكان سيري ومولاى ولد مولاي عمر , والتى تمكنت فى سنة انشائها 1996 من انتاج  6 اطنان من الفاصوليا الخضراءHaricot vert 2 طن منها قابلة للتصدير . عملية الانتاج تمت حسب النظم المعتمدة من طرف السوق الاوروبى .  تم توزيع الباقى  فى اسواق نواكشوط و الذى تم تقييمه و تقديره ايجابا خاصة من طرف المستهلك الاجنبى .

وبفضل دعم الاتحاد الاوروبى ازدادت الصادرات ( وهي بالمناسبة تشحن جوا عبر الطائرات ) الى السوق الاوروبى حيث بلغت 16 طنا من الفاصوليا ذات الجودة العالية haricot fin  ونوعية haricot extra fin  المفضلة لدى المستهلك الفرنسي بالخصوص . وتضاعفت الصادرات فى 1998 و1999 بفضل انضمام منتجين جدد الى التعاونية كشركة سيكاب SICAP  (مجموعة محمد عبد الله ولد عبد الله ) و مزارعين افراد كاحمد ولد الوافى والحاج ولد الددى و يعقوب ولد دحود رحمه الله وغيرهم ... اضافة الى ذلك تم انتاج بعض الاصناف الاخرى القابلة للتصدير كالطماطم الكرز و البامية  و الهليون و الذرة الحلوة و البطيخ و الشمام ( Tomate cerise , gombo ,asperge, maïs doux , pastèque et melon).

وبما ان البامية Gombo  توجد سوقها الكبيرة فى ابريطانيا , فكان من الضرورى الولوج اليها دون المرور بسوق رينجيس RUNGIS  وذلك للتخفيف من الكلفة , وهكئا قامت شركة سيكاب SICAP  وشركة الحاج ولد الددى وشركة محمد سالم ولد احمين السالم بزراعة مكثفة للبامية و تصدير الانتاج عن طريق السنغال بواسطة تاجر صينى متخصص فى تصدير البامية مباشرة الى ابريطانيا .

على ضوء هذه التجارب فكرت الدولة فى انشاء برنامج يعنى بالتنويع الزراعى و هكذا تم انشاء برنامج التنمية المندمجة للزراعة المروية فى موريتانيا PDIAIM  والذى دعى شركاء التنمية الى المساهمة فى تمويله المقدرة ب 100 مليون دولار فاختار البنك الولى ان يمول المشروع  و ان باقى المهتمين بالمشاركة فى المشروع يجب ان يكونوا تحت مظلته , فانسحب الاتحاد الاوروبى و خسرنا بذلك تمويل جاهز يقدر ب 000 5002 اوقية كانت كافية لتلافى القطيعة ولانتقال المزارعين بطريقة سلسة من حاضن الى الحاضن الاخر قبل ان يتم الانتهاء من تأسيسه ( مشروع PDIAIM ) .

قبل اطلاق مشروع PDIAIM قامت الخلية و التى ستتولى مستقبلا تسيير المشروع ( المنسقدندو ولد تاج الدي , و مسؤول الخلية فىروصوالشيبانى) بإجراء تجارب على 13 صنف من البطيخ و الشمام و عدة اصناف اخري من الفاصوليا الخضراء  وغيرها و تم اجراء هذه التجارب بواسطة  تجمع يضم المؤسسين الاوائل ل COPATE  و شركةسيكاب  SICAPوشركة SDPA المملوكة لمختار الحسن ولد الحسن و المنظمة العربية للزراعة والتنمية AAAID .

نجحت التجربة وتم اطلاق المشروع ودخل مستثمر اجنبي جديد وليته لم يدخل وهوالشركة الفرنسية لإنتاج وتسويق الفواكهفى غرب افريقيا -المملوكة لدانيال ميتران ابن الرئيس الفرنسى الاسبق - و انشات شركة سمتهاGrand Domaine de Mauritanie ,

حاولت هذه الشركة الاستحواذ على كل شئ بدا بالتمويل  المحلى (بيت القصيد ) و الذى لا يحق لها خاصة  ذلك الموجه منه للدعم (la subvention) وكذلك تسيير كل العملية ابتداء بالإنتاج وانتهاء بالشحن الى السوق الاوربية لكننا وبكل وعي رفضنا ( اقول رفضنا لانى كنت جزءا من كل هذه النشاطات بحكم انى كنت احد مسؤولى شركةSICAP )  هذه الهيمنة  لان الهدف من المشروع او على الاقل مكون التنويع (Composante de la diversification) هو ان يتمكن المزارعون المحليون من ضبط العملية ابتداء بالإنتاج وانتهاء بالشحن

حاولت الشركة الفرنسية استعراض عضلاتها فأقامت محطة فرز وتبريد (احرقتها لاحقا ) فأقامالمزارعون  المحليون محطة للفرز و التبريد , اقامت محطة تبريد صغيرة فى المطار ( un terminal ) فأقام المزارعون نفس المحطة  . قامت الشركة بعملية انتاج بعض الاصناف القابلة للتصدير و قام المزارعون  بنفس الشئ نظرا لتجربتهم الجليلة  فى الميدان ,وكان انتاجهم اكثر جودة من انتاج الشركة الفرنسية , وهذا بشهادة المشروع نفسه و خبراء البنك الدولى الذين كانوا يقيمون التجربة ميدانيا .

لكن ماذا حدث ؟

بدون الدخول فى التفاصيل ( لان ذلك يتطلب مقالا اخر ) ضعفت السلطات العمومية امام الممول وجبنت ادارة المشروع  امام المافياهات الاجنبية الملازمة دوما للتمويلات فتم رفض تمويل مشروع طموح تقدم به المزارعون المتكتلينفى تعاونية  القافلة لاكارافان - la caravaneالتى اصبحت علامة  un label معترف

به -  يقدر ب 200 مليون اوقية إلا ان ادارة PDIAIM  رفض و بدون تبرير هذا المشروع  وعرضت مبلغ  000 000 28 مليون من دون ان يكون هناك ما يبررها كنوع من الرشوة مقابل التغاضى عن قبولهم تمويل الشركة بمبلغ 000 000 600 اوقية والتىتكن لها أي فائدة تذكر سوى  انشاء مزرعة صغيرة لتصدير بعض الموز او الخضار الى اوربا او تمويل GDM  الموريتانية لGDS السينيغالية.

كان من المبررات الواهية التى دافعت بها ادارة المشروع عن فعلتها هو ان المزارعين سيستفيدون نقل المعرفة والتكنولوجيا Transfert du savoir-faire  الى المزارعين , إلا ان GDM  رحلت وعملت بسياسة الارض المحروقة فأضرمت النيران فى محطة الفرز والتبريد بغية الاستفادة من تأمينها الاجنبى وأحرقت اشجار الموز Rejets de bananes حتى لا يقوم المزارعون بتكثير الاصناف التى كانوا  قد جلبوها معهم .

رحلت جىدى ام GDM ولم يجنى المزارعون سوى الندم .

نفس السيناريو هو ما استنسخته وزارة التنمية الريفية حاليا وبفارق انه فى هذه النازلة الجديدة لا يوجد مزارعون بل عمال سخرة لدى شركة اماراتية .... المستثمر اماراتى والإدارة الفنية مغربية واليد العاملة (منيفرات) خليط من الموريتانيين والسنغاليين ومهاجرى وعابرى سبيل غرب افريقا .

من الصعب الحصول على أية معلومة عن الشركة - وقد يكون ذلك عائد الى الشريك المحلى ( الغير مرئى) - سوى انها حصلت على 300 1  هكتار  وبأنها ستتخصص فى انتاج الفواكه والخضروات للسوق الاجنبية والمحلية وانها بدات فعلا فى التصدير وإنها بصدد تموين السوق المحلى بالخضروات . وكانت الوزيرة لمينة بنت امم قد صرخت فى احدى خرجاتها الاعلامية بان موريتانيا بدأت فى تصدير الفواكه الى ابريطانيا وان علينا ان نفرح بذلك .

فهل فعلا علينا ان نفرح ؟ وهل فعلا موريتانيا هي من تصدر ؟

لكى تدعى ان منتجا زراعيا ما ملك لك لابد اما ان تشتريه او تنتجه .. ولكي تنتجه وتكون قادرا على تسويقه لابد ان تملك وسائل انتاجه من ارض و ثروة بشرية متخصصة وأدوات انتاج وبنى تحتية للمعالجة ولوجستيك اسناد وحتى ماركة الولوج الى السوق  le label   اضافة الى تشريعات متوائمة مع اكراهات السوق الاوربية  .. الخ , فماذا نملك نحن خاصة فى هذه النازلة الاماراتية ؟

  1.  الارض الزراعية ملك للشركة الاماراتية ولا يهمنا– على الاقل حاليا - كيف  حصلت عليها
  2. الثروة البشرية هي كالتالى : الاداريون والمهندسون مغاربة والعمال اليدويون من حاملى الاثقال ومنظفى المراحيض % 80  منهم سنغاليون والبقية موريتانيين ومن عابرى السبيل الافارقة .
  3. وسائل الانتاج من جرارات و ما تعلق بها من ادوات انتاج استجلبت من الخارج ,  لم تستفد الشركات المحلية التى تورد الالات الزراعية اوقية واحدة منهم ولم تستفد الدولة لان الشركة معفية من الضرائب ووارداتها من وسائل الانتاج معفية من الجمركة .
  4. الشركة لم تبنى اية محطة للفرز والمعالجة و التعبئة– اسوة ب GDM– حتى ولو كانت تنوى حرقها لاحقا .
  5. الشركة تقوم بإرسال بضائعها عن طريق الشاحنات المغربية والتى ليست ملزمة بأي مسار محدد مما يعنى عدم التحكم فى وسائل النقل مما يشكل ثغرة ضعف خطيرة خاصة لمن بضاعته  قوتها تكمن فى مدى طازجيتها ( Produit fraisil s'agit d'un).
  6. الماركة  le label الذى سيلج به المنتوج الى اوربا هو ملك للشركة الاماراتية  وإذا رحلت –لا قدر الله – سترحل به .
  7. لا توجد محطات نهائية للتخزين المؤقت terminaux  لا بالمطارات ولا بالموانئ ,  الدولة لم تنشاها ولم تلزم او تطلب من مستثمريها انشاءها .
  8. حتى على مستوى التشريعات , الدولة لم تحين المواءمة القانونية  harmonisation مع تلك  الاوربية خاصة  تلك  المتعلقة بالمبيدات الحشرية والفطرية وغيرها ...

و الاخطر من ذلك انه مسموح لهم بتموين السوق المحلية بالمنتجات الزراعية – وهو ما رفضته الحكومة السابقة ايام تعاقدها مع GDM–  لان هذا سيحد من قدرة المزارعين المحليين فى القدرة على المساهمة فى ضمان الامن الغذائى القومى وارتهانه  الى الغير الذى يمكن ان يرحل فجأة انيي ومتى شاء .

ستغادر الشركة الاماراتية يوما ما , كما غادرت شركة جىذى ام GDM ,ولن يجني المزارعون إلا مزيدا من الندم .

اذا لا يمكننا ان نفخر او نفرح بما صرحت به الوزيرة , فهو لم يرقى الى مستوى تأجير الرحم , انه حمل كاذب .

الكاتب :محمد ولد مامون