بُتِلِمِيتْ.. البِنَاءُ عَلَى أَنْقَاضِ المَعَالِمِ...

جمعة, 29/01/2016 - 08:16

يُروى في الحكايات الموريتانية أن ملكا مصريا قديما كانت له إصبع زائدة كبيرة، فكان كلما تناول قلم العود وكتب شيئا أتت الإصبع الزائدة عليه فمحته..

لا أفهم كيف يستحيل الجمع ـ لدى القائمين على الشأن المحلي في بتلميت ـ بين البنايات الجديدة ومعالم المدينة القديمة، فكلما رأيت بناء جديدا في المدينة رأيت حوله أنقاض معلمة قديمة..

القلعة التي شيدها الفرنسيون سنة 1902، وحكموا منها المدينة وأجزاء واسعة من موريتانيا، وحكمها منها المرحوم أَبِي ولد أحْمَيْدَ (أول حاكم موريتاني لبتلميت) أنتهى تقريبا هدمها بالكلية، وكانت بنيت مكاتب للمقاطعة غيرها، بعد أن دشن تخريبها منذ عقود حاكم مؤدلج، مساهمة منه في تحقيق حلم الوحدة العربية، جاهلا أن القلاع والحدائق والمباني الفرنسية في قاهرة جمال عبد الناصر لا تزال مأهولة ومُعَلَّمَةً بالحرف اللاتيني وصور قادة الحملة الفرنسية..

المدرسة رقم 1، وربما هي رقم واحد في موريتانيا كلها، أو رقم 2، وفيها درس أبرز رجال التأسيس، وتابعوهم هدمت بالفعل السلبي، فأتت عليها عاديات الزمن حتى لم يبق منها إلا كـ "الوشم في ظاهر اليد"..

المدرسة رقم 3، أول مدرسة للبنات في موريتانيا، قبل أن تتحول إلى مختلطة، أسست منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين هدمت في التسعينيات، وعلى أنقاضها أقيمت فصول رديئة متناثرة، لأهداف قد يكون أجلها تربح مقاول "مَعَوِي" (كان الدكتور أحمد محمود ولد الدنبجه يضبط النسبة إلى العهد المعاوي هكذ "مَعَوِي")..

المجمع المدرسي الكبير الجديد الممول قطريا، أسس على أنقاض المدرسة رقم 2 التي كان يفخر علينا تلامذتها، ونحن في المدرسة رقم 3 الطينية، بأن جدرانها من الإسمنت الخالص لا لَبِنَ فيها..

لم يهدموها فقط، بل هَجَّرُوا أيضا نزيلها من قديم، ذلك الْـ "كُوجِيلْ" الذي كان يستنشق دخان مخبزة "أهل لَكْهَيْلْ" بخورا يحرك سواكنه، فيتذكر إبِلَه وراعيها، فيشدو آخر الليل: "جَدُّوو رَدْ إِلَاهْ الْبَـــلْ"..

المجمع المدرسي الجديد نقلت إليه ـ كما سمعت ـ ثانوية بتلميت لِتُنْقَضَ بذلك مبانيها القديمة الموروث بعضها عن معهد بتلميت الإسلامي حيث أقيمت على أنقاضه، وأنفقت الدولة أموالا طائلة في بناء البعض الآخر خلال السنوات اللاحقة..

قد يحقق نقل ثانوية بتلميت شيئا من مساواة بين ثانويات الوطن، فقد كانت تتميز عن غيرها بتلك البناية الرائعة بمدخلها المقوس، المثبت في أعلاه تاريخ التشييد 1956..

كأني بـ عَمَّار ولد أمَّوْنَكْ يمر بين معاهدها مختصرا طريق الجمعة إلى جامع لحواش، يتقي بلثامه روائح الأوساخ، يحشرج في صدره:

لِيسَتْ بُتِلِمِيتْ!! ـ ـ ذِيكْ أَلْتَعْرَفْ يَخَيْ

عَادَتْ بَلْ أَمْبَلِيتْ؟ ـ ـ سُبْحَانْ الْبَاقِي حَيْ

القاضي أحمد ولد المصطفى