من أجل تدبير ناجح للتعدد اللغوي في موريتانيا

جمعة, 18/12/2015 - 23:52

بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية ، اود التأكيد أن طرح قضية التعريب عرف مقاربتين مدخولتين لا تخدمان اللغة العربية ولا الوحدة الوطنية .وهاتان المقاربتان هما :

1- مقاربة الدعوة الى التعريب على اعتبار أن العربية هي اللغة الوحيدة لبلادنا ودون احترام الحقوق اللغوية للناطقين بغير العربية في التعليم والعمل بلغة يختارونها .

2- مقاربة الدعوة إلى ادزواجية مبكرة هجينة على اعتبار ان الوحدة الوطنية لا صيانة لها الا بتوحيد مناهج التعليم بتدريس بعض المواد بالعربية وبعضها الآخر بالفرنسية لدمج كل المتعلمين في نمط تدريسي موحد.

و تقوم كل من المقاربتين عى اساس خاطئ ومتجاوز:

فالتعريب الأحادي والإقصائي يقوم على فكرة متجازوة ومنافية للإنصاف والديمقراطية وهي انه مادامت العربية لغة الأغلبية العظمى من الموريتانيين فينبغى فرضها على الجميع واعتمادها لغة وحيدة للتعليم والإدارة والأعمال .وهذا التدبير للتعدد اللغوي- رغم مجافاته للعدل - سبق العمل به في العديد من دول العالم في القرون الماضية .ولكنه لم يعد عمليا ولا ممكنا بل إن اقراره سيؤدي عاجلا أو آجلا إلى نتا ئج وخيمة ،لأنه يتجاهل الحقوق اللغوية للموريتانيين غير الناطقين بالعربية .وهي حقوق ثابتة ولا تقبل النفي ولا يؤثر في ثباتها كون أصحابها اقلية من حيث العدد .

أما نظام الاودزاجية الهجين فهو حماقة أخرى تجاهل مقرروها أن التدبير الصحيح للتعدد اللغوي في دولة معينة هو احترام الحقوق اللغوية لجميع المواطنين ،مما يفرض اعتماد العربية لغة رسمية للتعليم والادارة والأعمال للموريتانيين الناطقين بالحسانية ..واعتماد لغة او لغات أخرى للتعليم والادارة والأعمال يختارها بشكل ديمقراطي وحر الموريتانيون غير الناطقين بالعربية. ومعلوم ان الاودزاجية اللغوية -بمعنى اتقان لغتين - هي ميزة نخبوية لاتتأتى إلا للقلة ،وهو ما يعني ان أي تعليم عام (اساسي أو ثانوي ) يبنى على الأزدواجية مصيره الفشل مهما توفر له من الوسائل و الحوافز.كما انه أصبح من بدهيات العلوم التربوية أن افضل طريقة لنشر المعارف والعلوم هو تدريسها بلغة الام .وهو ما يعني ان تدريس المواد العلمية بالفرنسية للجميع هو ظلم صارخ لأبناء أغلبية الشعب الموريتاني الناطقين بالعربية .واعتداء على حقوقهم اللغوية.

اما ابناء الشعب غير الناطقين بالعربية فلهم الحق في التعلم بلغة يختارونها ولو كانت الفرنسية أو اي لغة أخرى .

إذن .ماهو الحل ؟ أعتقد انه علينا ان نستفيد من تجارب دول متقدمة نشترك معها في امر هام هو التعدد اللغوي للسكان .وهذه الدول هي ( كندا وبلجيكا وسويسرا).وقد نحجت في تدبير التعدد اللغوي لسكانها لانها نجت من المقاربتين الفاشلتين اللتين ما زالتا تعششان في ادمغة نخبنا ومثقفينا الا من رحم ربك.وهما فرض لغة واجدة أو فرض ازدوزاجية مبكرة هجينة.

وعناصر هذا الحل الأولية هي في اعتقادي .

1- مراجعة الدستور الموريتاني للتاكيد على التعدد اللغوي للسكان و ما يترتب عليه من حقوق لغوية لكل قومية موريتانية .

وسينتج عن ذلك انه ستكون لموريتانيا أكثر من لغة رسمية .فستكون اللغات الرسمية هي العربية و لغة او لغات أخري يختارها في استفتاء حر ونزيه الناطقون باللغات الوطنية الاخري ( البولارية والسوننكية والولفية ) و ستكون لعات رسمية لهؤلاء لها نفس قيمة العربية مع مراعاة الجوانب العملية المتعلقة بخريطة انتشار هذه اللغات المرسمة..

2- ادراج الاختيار اللغوي الدائم لكل مواطن في بيانات بطاقته الشخصية (معمول بهذا في بلجيكا وكندا ) ،الى جانب رقمه الوطني من اجل ان يحصل على الخدمات العمومية بلغته الوطنية صيانة لحقه اللغوي .

3- تقسيم البلاد الى أقاليم بمراعاة الخصائص السكانية والا قتصادية ومنحها صلاحيات واسعة لتدبير شؤونها المحلية لا تصل إلى خصائص الأقاليم في الدول الاتحادية .وذلك لترشيد تدبير التعدد اللغوي .و اعتبار العاصمة انواكشوط منطقة خاصة متعددة اللغات ( يمكن إلغاء مجلس الشيوخ و احلال مجالس الأقاليم محله )

4- وضع نظام تربوي موحد من حيث المضمون المعرفي .ولكنه يستخدم كل اللغات الرسمية.وتوفير التعليم لأبناء جميع المواطنين حسب اختيارات والديهم اللغوية الدائمة .

5- اشتراط معرفة لغتين رسميتين على الأقل لتقلد بعض الوطائف السامية التي تتطلب احتكاكا مباشرا بالسكان .

6- تشجيع الترجمة بين اللغات الرسمية للبلد .وفرض توفر قسم للترجمة في كل مرفق عمومي لتوفير الخدمة العامة للمواطن حسب اختياره اللغوي المثبت على بطاقة تعريفة الوطنية.

7- اصدار تشريعات ونظم لفرض تطبيق مقتضيات التعدد اللغوي -بما فيه من احترام الحق اللغوي لكل مواطن - وتلزم هذه القوانين - تحت طائلة التعرض للعقاب - كل موظف او وكيل عمومي او فاعل خصوصي باحترام اللغات الرسمية و تقديم الخدمة الى المواطن حسب اختياره اللغوي الثابت وحسب نظام الاقليم الذي تطلب فيه الخدمة العامة.

.

8- إنشاء مجلس وطني للحقوق اللغوية وتكافؤ الفرص يكون مرصدا لمراقبة تطبيق الدستور و يشرف على نزاهة المسابقات الوطنية .

تلك عناصر أولية لتدبير ناجح للتعدد اللغوي في موريتانيا .وهو حل نهائي سيخرس للأبد كل النقاشات الييزنطية والمزايدات البائسة لبعض الاتنهازيين من مختلق القوميات

وقد يرى البعض ان هذ الحل مكلف وغير عملي .غير ان الأمر ليس كذلك فهو حل طبيعي وعادل وعملي وغير مكلف لأنه لن يفرض ازدواجية نخبوية على الجميع ،كما ان الترجمة لن تكون إلزامية إلا في حالات محددة تمكن تغطيتها دون عناء.و للمشككين في هذا الطرح الذي ربما يكون جديدا في الساحة الوطنية .أقول لننطر الى تجارب كندا و بلجيكا وسويسرا الناحجة ولنستفد منها .ولتنرك سياسات الرياء والنفاق واسلوب النعامة.

بقلم السالك محمد موسى